و ذلک أنّ الأشياء کمال نقل عن المعلّم الأوّل من حيث الخيرات و الشرور المنتسبة إليها علي خمسة أقسام: إمّا خير محض و إمّا شرّ محض و إمّا خيرها غالب و إمّا شرّها غالب و إمّا متساوية الخير و الشرّ. و الموجود من الأقسام الخمسة قسمان هما: الأوّل الذي هو خير محض و هو الواجب (تعالي) الذي يجب وجوده و له کلّ کمال وجوديّ و هو کلّ الکمال و يلحق به المجرّدات التامّة و الثالث الذي خيره غالب فإنّ العناية الإلهيّة توجب وجوده لأنّ في ترک الخير الکثير شرّاً کثيراً.
و أمّا الأقسام الثلاثة الباقية فالشرّ المحض هو العدم المحض الذي هو بطلان صرف لا سبيل إلي وجوده و ما شرّه غالب و ما خيره و شرّه متساويان تأبا هما العناية الإلهيّة التي نظمت نظام الوجود علي أحسن ما يمکن و أتقنه.
و أنت إذا تأمّلت أيّ جزءٍ من أجزاء الکون و جدته أنّه لو لم يقع علي ما وقع عليه بطل بذلک النظام الکونيّ المرتبط بعض أطرافه ببعض من أصله و کفي بذلک شرّاً غالباً في ترکه خير غالب.
و إذ تبيّن أنّ الشرور القليلة التي تلحق الأشياء من الوازم الخيرات الکثيرة التي لها فالقصد و الإرادة تتعلّق بالخيرات بالأصالة و بالشرور اللازمة لها بالتبع و بالقصد الثاني.
و من هنا يظهر أنّ الشرور داخلة في القضاء الإلهيّ بالقصد الثاني. و إن شئت قلت: «بالعرض» نظراً إلي أنّ الشرور أعدام لا يتعلّق بها قصد بالذات.
الفصل التاسع عشر: في ترتيب أفعاله تعالي و هو نظام الخلقة
قد اتضح بالأبحاث السابقة أنّ للوجود الإمکاني و هو فعله (تعالي)