فتنشيء أحياناً صوراً حقّة صالحة و أحياناً صوراً جزافيّة تعبث بها.
و ثالثها عالم التجرّد عن المادّة و آثارها و يسمّي عالم العقل.
و العوالم الثلاثة مترتبة طولاً فأعلاها مرتبة و أقواها و أقدمها وجوداً و أقربها من المبدء الأوّل تعالي و تقدّس عالم العقول المجردّة لتمام فعليّتهاو تنزّه وجودها عن شوب المادّة و القوّة. و يليه عالم المثال المتنزّه عن المادّة دون آثارها. و يليه عالم المادّة موطن النقص و الشرّ و الامکان و لا يتعلق بما فيه العلم إلاّ من جهة ما يحاذيه من المثال و العقل علي ما تقدمت الإشارة إليه.
الفصل الرابع: في انقسام العلم الحصوليّ إلي کلّيّ و جزئيّ بمعني آخر
فالکلّيّ هو العلم الذي لايتغيّر بتغيّر المعلوم الخارجيّ کصورة البناء التي يتصوّرها البنّاء فيبني عليها فانّها علي حالها قبل البناء و مع البناء و بعد البناء و إن انعدم و يسمّي علم ما قبل الکثرة. و العلم من طريق العلل کلّيّ من هذا القبيل کعلم المنجّم بأنّ القمر منخسف يوم کذا ساعة کذا إلي ساعة کذا يرجع فيه الوضع السماويّ بحيث يوجب حيلولة الأرض بين القمر و الشمس فعلمه بذلک علي حاله قبل الخسوف و معه و بعده . و الوجه فيه أنّ العلة التامة في علّيّتها لا تتغيّر عمّا هي عليه. و لمّا کان العلم بها مطابقاً للمعلوم فصورتها العلميّة غير متغيّرة. و کذلک العلم بمعلولها لايتغيّر فهو کلّيّ ثابت. و من هنا يظهر أنّ العلم الحسّيّ لايکون کلّيّاً لکون المحسوسات متغيّرة. و الجزئيّ هو العلم الذي يتغيّر بتغيّر المعلوم الخارجيّ کعلمنا من طريق الرؤية بحرکة زيد مادام يتحرک فاذا وقف عن الحرکة تغيّر العلم و يسمّي علم ما بعدالکثرة.