ثم إنه قد
استدل لوجوب طلب المعرفة بأن المعرفة ممّا اقتضتها الفطرة إذ من الفطريات فطرة طلب
الحقايق و كشفها .
و يمكن أن
يقال: إنّ مجرد كون الشيء فطرياً لا يستلزم الايجاب و الالزام بخلاف الحكم العقلي
، فإنه و إن كان إدراكا لضرورة المعرفة بأحد الوجوه المذكورة إلاّ أن الضرورة
المدركة بالدرك العقلي تدعو الإنسان نحو تحصيل المعرفة بحيث لو تخلف عنه لاستحق
المذمة. نعم ، يصلح هذا الوجه لتأييد ما ذكر و لنفي ما توهمه الملحدون من انبعاث
الفكر الديني عن العوامل الوهمية.
ثم إن وجوب
دفع الضرر المحتمل أو وجوب شكر المنعم كما يدلان علي وجوب طلب المعرفة و تحصيلها،
كذالك يدلان علي وجوب التصديق بعد المعرفة و التدين به ، اذ بدون التدين و التصديق
لا يحصل الايمان و مع عدم حصوله يبقي احتمال الضرر الاُخروي و تضييع حق المولي
المنعم إن لم نقل بأنه مستلزم العلم بالضرر الاُخروي و تضييع حقه.
و لذا ذمّ
سبحانه و تعالي من أيقن و لم مؤمن بما أيقن به « و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم
ظلماً و علواً» النمل : 14 ، كما صرّح به المحقق الخراساني في تعليقته علي فرائد
الاُصول (1)
ثم بعد ما
عرفت من وجوب المعرفة و التصديق و التدين فاعلم أن النظر و الفحص و التحقيق واجب
من باب المقدمة ، إذ الواجبات المذكورة لا تحصل بدون ذلك ، فليس لأحد أن لاينظر
إلي نفسه أو إلي الآفاق لتحصيل معرفة الخالق أو أن لايسمع دعوي من يدعي النبوة و
الإمامة و لا يتفحص عن معجزته .
ثم لا يخفي
عليك ، أن للتحقيق و النظر مراتب مختلفة من الإجمال و التفصيل،