الرابع:
في مرجع العدل و الحكمة
ولا يذهب عليك أن مرجع العدل و الحكمةإلي أنه تعالي
لا يفعل القبيح ولا يترك الحسن. إذ تقبيح الحق و عدم إعطاء كل ذي حق حقه ظلم و
قبيح، كما أن وضع الشيء في غير محله عبث و قبيح، فمن لا يفعل القبيح و يترك الحسن،
يعدل في حقوق الناس، و يكون حكيماً في جميع أفعاله.
ثم الدليل
علي أنه لا يفعل القبيح ولا يترك الحسن، هو ما أشار إليه المصنف ـ قدس سره ـ من
أنه تعالي محض الكمال و تمامه، و حاصله أن القبيح لا يناسبه ولا يليق به، و قاعدة
السيخية بين العلة و المعلول، تقتضي أن لايصدر منه تعالي إلاّ ما يناسب ذاته
الكامل و الجميل، و إلاّ لزم الخلف في كونه محض الكمال و هو محال، و أيضاً تحقق
القبيح و الظلم من دون داع و علة محال؛ لأن الداعي إلي فعل القبيح، إما الحاجة أو
الإجبار عليه و العجز عن تركه أو الجهل، بالقبيح، أو العبث، و كلها منفية في ذاته
تعالي، بعد وضوح كونه كمالاً مطلقاً، و غنياً عن كل شيء، و قادراً علي كل شيء، و
غير مريد إلاّ المصلحة، فتحقق القبيح بعد عدم وجود الداعي و العلة يرجع إلي وجود
المعلول بدون العلة، و هو واضح الاستحالة.
و عليه فلا
حاجة في إثبات العدل و الحكمة إلي قاعدة التحسين و التقبيح و إن كانت تلك القاعدة
صحيحة محكمة، و يترتب عليها المسائل المهمة الكلامية: كوجوب معرفة المنعم وشكره،
و لزوم البعثة، و حسن الهداية، و قبح الإضلال. و المسائل الاصولية: كقبح العقاب
بلا بيان، و قبح عقاب القاصرين، و قبح تكليف ما لايطاق و غيره ذلك.
ولكن ذهب
أكثر علماء الإمامية و المعتزلة إلي الاستدلال بتلك القاعدة لإثبات العدل، و سيأتي
ـ إنشاء الله ـ تقريبها وما قيل أو يقال حولها.
و كيف كان
فالاستدلال بما أشارإليه المصنف أولي من الاستدلال بتلك القاعدة؛ للاختصار، و
لكونه أبعد عن الإشكال و النقض و الإبرام، هذا مضافاً