و كذلك يجب ـ
ثالثا ـ توحيده في العبادة، فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه (2)
و کذا اشراکه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة
2) فأن
العبادة لا تليق إلاّ لمن له الخالقية و الربوبية، إذ مرجع العبادة إلي اظهار
الخضوع و التذلل في قبال المالك الأصلي ومن له الأمر و الحكم بما أنه رب و قائم
بالأمر و الخالقية و الربوبية مختصة به تعالي، فإن كل ماسواه محتاج إليه في أصل
وجوده و فاعليته و بقائه و اموره، والمحتاج المذكور لا يمكن أن يؤثر من دون أن
ينتهي إليه تعالي فالرب و الخالق ليس إلاّ هو، و العبادة لا تليق إلاّ له تعالي .
فإذا كانت المؤثرات كذلك فالأمر في غير المؤثرات أوضح، و العجب من عبدة الأحجار و
الأشجار و بعض الحيوانات و غير ذلك من الأشياء، التي لا تملك لهم شيئاً من النفع
أو الضرر و القبض و البسط و الإماتة و الإحياء.
و إليه يرشد
الكتاب العزيز قال: « أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم»
(1) الأنبياء : 66 . وبالجملة من عبد غير الله تعالي أشرك غيره معه من دون
دليل « ءإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين » (2).
فلا وجه
لعبادة غيره تعالي بوجه الخالقية و الربوبية؛ لما عرفت من أنها منحصرة فيه تعالي، كما لا وجه لعبادة غيره تعالي بوجه الالوهية
والواجوب؛ لما مر من وحدة الإله الواجب فاعتقاد النصاري بالتثليث و تعدد الآلهة من
الأب و الابن و روح القدس فاسد، و تخالفه الأدلة القطعية الدالة علي وحدة الواجب و
بساطته، إذ تصوير التثليث ينافي الوحدة و البساطة و عدم محدودية الذات. و لذا نصّ
في الكتاب العزيز بكفرهم « لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله
إلاّ إله واحد» (3).