الشيء للشيء
، و ليس سببه إلاّ حضور الشيء للشيء ،فكل فعل و معلول لكونه حاضراً عند علته فهو
مكشوف و معلوم له، و هذا العلم الفعلي يتجدد بتجدد الفعل، بخلاف علمه في مرتبة
الذات، فإنه عين ذاته ولا تجدد فيه أصلاً.
و مما ذكر
ينقدح فساد ما يتوهم من استحالة علمه بالجزئيات الزمانية بدعوي أن العلم يجب تغيره
عند تغير المعلوم، و إلاّ لانتفت المطابقة، لكن الجزئيات الزمانية متغيرة فلو كانت
معلومة الله تعالي لزم تغير علمه تعالي، و التغير في علم الله تعالي محال (1) .
وذلك؛ لما
عرفت من أن الله تعالي علمين، أحدهما: الذاتي، و هو لا يتغير بتغير المتغيرات فإنه
في الأزل كمان عالماً بكل متغير أنه حدث في زمان خاص بكيفية خاصة ولا يتخلف شيء
عن هذا العلم، و يقع كما هو معلوم عند ربه ولا يحصل تغير في علمه أصلاً و علمه في
الأزل بوجود المعلول في زمان خاص لايوجب كونه موجوداً في الأزل بوجوده الخاص به، و
إلاّ لزم الخلف في علمه، فكل شيء واقع كما علم فلا تغير في العلم، بل التغير و
الحدوث في المتغير، و الحادث و العلم بالمتغير ليس بمتغير، إذ حكم ذات المعلوم لا
يسري إلي العلم، كما أن العلم بالحركة ليس بحركة، والعلم بالعدم أو الإمكان ليس
عدماً ولا إمكاناً، و العلم بالمتكثر.
وثانيهما :
هو العلم في مرحلة الفعل و هو عين الفعل؛ لأن المراد من العلم الفعلي هو حضور
الفعل بنفسه عندالله تعالي، كما أن الصور المعقولة و الذهنية حاضرة عندنا بنفسها و
علمنا به عينها، فالتغير في هذا العلم لابأس به؛ لأنه يرجع إلي تغير في ناحية
الفعل لا في ناحية الذات، و المحال هو الثاني كما لا يخفي.