الخامس:
في أن للذنب مراحل و مراتب
متعددة، فإن الذنب قد يكون للتخلف عن القوانين، و من المعلوم أن التخلف عنها إذا
كانت من الشارع أو مما أمضاه الشارع، حرام، والنبي والإمام معصومان عنه لما مر من
الأدلة.
و قد يكون
الذنب ذنباً اخلاقياً، و من المعلوم أن ارتفاع شأن النبي و الإمام لا يناسبه، فلذا
كانت الأنبياء و الرسل و الأئمة الطاهرون متخلفين بأحسن خلق و مكرمة أخلاقية، كما
نص عليه في قوله تعالي «و إنك لعلي خلق عظيم» (1)، «و إنهم
عندنا لمن المصطفين الأخيار» (2)، «و جعلناهم ائمة يهدون بأمرنا و
أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلوة و ايتاء الزكوة و كانوا لنا عابدين» (3).
هذا مضافاً
إلي اقتضاء كونهم مبعوثين للتزكية، أن يكونوا متصفين بمكارم الأخلاق و أعلاها، إذ
هذه الغاية التي أوجبت في حكمته تعالي أن يرسل الرسل و الأنبياء، لا يمكن حصولها
عادة إلاّ بكون الرسل و الأنبياء و الأئمة، ائمة في الاتصاف بالأخلاق الحسنة. «لقد
كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة» (4).
وقد يكون
الذنب ذنباً عند المقربين و المحبين، و هذا الذنب ليس تخلفاً عن القوانين ولا يكون
أثر الأخلاق السيئة و الزذيلة، بل هو قصور أو تقصير في بذل تمام التوجه نحو
المحبوب، فالغفلة عنه تعالي عندهم ولو لفعل مباح ذنب، و هذا الذنب أمر لا تنافيه
الأدلة الدالة علي العصمة عن الذنوب ولا يضر بشيء مما مر من الغايات، من إرشاد
الناس و تزكيتهم و غيرهما، ولكن مقتضي الأدلة السمعية هو أنهم علي حسب مراتبهم في
المعرفة أرادوا ترك هذا، و مع ذلك إذا ابتلوا به رأوا أنفسهم قاصرين و مقصرين في
مقام عبوديته و محبته تعالي، و كثيراً ما عبروا عن هذا القصور و التقصير بالعصيان
و الذنب، و بكوا عليه بكاء شديداً