و تلبس علي
العقل طريقه إلي الصلاح و السعادة و النعيم، في وقت ليس له. تلك المعرفة التي تميز
له كل ما هو حسن و نافع، و كل ما هو قبيح و ضار، و كل واحد منا صريع لهذه المعركة
من حيث يدري ولا يدري إلاّ من عصمه الله.
و لأجل هذا
يعسر علي الإنسان المتمدن المثقف، فضلاً عن الوحشي الجاهل، أن يصل بنفسه إلي جميع
طرق الخير و الصلاح و معرفة جميع ما ينفعه و يضره في دنياه و آخرته، فيما يتعلق
بخاصة نفسه أو بمجتمعه و محيطه، مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه، ممن هو علي
شاكلته و تكاشف معهم، و مهما أقام بالاشتراك معهم المؤتمرات و المجالس و
الاستشارات فوجب أن يبعث الله تعالي في الناس رحمة لهم و لطفاً بهم «رسولاً منهم
يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة» و ينذرهم عما فيه فسادهم، و
يبشرهم بما فيه صلاحهم و سعادتهم.
إنما كان
اللطف من الله تعالي واجباً فلأن اللطف بالعباد من كماله المطلق، و هو اللطيف
بعباده و الجواد الكريم، فإذا كا المحل قابلاً و مستعداً لفيض الوجود و اللطف،
فإنه تعالي لابد أن يفيض لطفه، إذ لا بخل في ساحة رحمته، ولا نقص في جوده و كرمه.
و ليس معني
الوجوب هنا أن أحداً يأمر بذلك فيجب عليه أن يطيع ـ تعالي عن ذلك ـ، بل معني
الوجوب في ذلك هو كمعني الوجوب في قولك: إنه واجب الوجود (أي اللزوم و استحالة
الانفكاك) (1)