بعده»
(1).
وقال ـ أيضاً
في ذيل قوله تعالي: «و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب أو
يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم» (2) ـ:
والمعني ما كان لبشر أن يكلمه الله نوعاً من أنواع التكليم، إلاّ هذه الأنواع
الثلاثة: أن يوحي وحياً، أو يكون من وراء حجاب، أو أن يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما
يشاء. ثم إن ظاهر الترديد في الآياته ب «أو» هو التقسيم علي مغايرة بين الأقسام،
و قد قيد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب و الرسول الذي يوحي إلي النبي، ولم يقيد
القسم الأول بشيء، فظاهر المقابلة يفيد أن المراد به التكليم الخفي من دون أن
يتوسط واسطة بينه تعالي و بين النبي أصلاً، و أما القسمان الآخران ففيهما قيد
زائد، و هو الحجاب أو الرسول الموحي و كل منهما واسطة، غير أن الفارق أن الواسطة
الذي هو الرسول يوحي إلي النبي بنفسه، والحجاب واسطة ليس بموحٍ، و إنما الوحي من
ورائه ـ إلي أن قال ـ: و لما كان للوحي في جميع هذه الأقسام نسبة إليه تعالي علي
اختلافها، صح إسناد مطلق الوحي إليه بأي قسم من الأقسام تحقق، و بهذه العناية أسند
جميع الوحي إليه في كلامه، كما قال: «إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح و
النبيين من بعده» (3) و الحاصل أن الوحي بجميع
أقسامه مختص بالنبي، و عليه أجمعت الاُمة الإسلامية. نعم قد يطلق الوحي علي
الهداية التكوينية كقوله تعالي: «و أوحي ربك إلي النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً»
(4) ولكنه بالعناية و المجاز لظهور الوحي في عرف المتديين
بالأديان الإلهية من بدو مجيء الأنبياء والرسل فيما ذكر من أنه نوع رابطة أو كلام
خفي بين الله تعالي و بينهم بواسطة أو بدونها فلا تغفل.