تعالي : «
إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض »
(1) و الفطرة
كفعلة لبيان كيفية في الخلقة كالجلسة فالمراد من فطرة الإنسان هي كيفية في خلقة
الإنسان و هي ترجع إلي كسفية في هويته
(2) التي منها : إدراكه
بالعقل البديهي وسيأتي الإشارة إليه في الأدلة العقلية . و هذا هو الذي عبر عنه في
المنطق بالفطريات أي القضايا التي قياساتها معها كقولهم : الإثنين خمس العشرة . و
هذا النوع من الإدراك الذي من خصائص خلقة الإنسان يتوقف علي تشكيل القياس و أخذ
النتيجة، و لذا يكون من اقسام العلم الحصولي لا العلم الحضوري ، و سمي هذا الإدراك
بفطرة العقل البديهي.
و منها :
إدراكه بقلبه كعلم النفس بالنفس فلا يحتاج إلي وساطة شكل قياسي كما لا يخفي، و لذا
يعدّ من أقسام العلم الحضوري فالإنسان بفطرته يعلم بنفسه و يجب الكمال و الجمال .
و سمي هذا الإدراك بفطرة القلب .
ثم بعد وضوح
معني الفطرة ، فليعلم أن المستدل بالفطرة علي إثبات المبدأ المتعالي وصفاته و
توحيده أراد الفطرة القلبية و قال : إن القلب يعلم بالعلم الحضوري ربّه و يعرفه و
الدليل عليه هو رجاؤه بالقادر المطلق عند تقطع الأسباب الظاهرية المحدودة وحبه له
وإن غفل عنه كثير من الناس بسبب الاشتغال بالدنيا في الإحوال العادية . إذ الرجاء
و الحب فرع معرفته به و إلاّ لم يرجه و لم يحبّه مع أن الرجاء به أمر واضح عند تقطع
الأسباب الظاهرية كما يشهد له رجاء من كسرت سفينته في موضع من البحر لا يكون أحد و
لا إمداد، بقدرة وراء الاُمور العادية (3) ؛ و مع أن حب الكمال المطلق
لاخفاء فيه حيث إنا