إنّ النسخ في القرآن الکريم نادر جدّاً، و لم نعثر علي النسخ في الکتاب
إلاّ في آيتين إحداهما ما عرفت والثانية قوله سبحانه: (
وَ الّذينَ يُتوفَّونَ مِنْکُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلي الحَولِ غَيْرَ إِخْراجٍ)(البقرة/240).
و اللاّم في الحول إشارة إلي الحول المعهود بين العرب قبل الإسلام حيث کانت النساء يعتددن إلي حول، و قد أمضاه القرآن کبعض ما أمضاه من السنن الرائجة فيه لمصلحة هو أعلم بها.
ثمّ نسخت بقوله سبحانه: (
وَ الّذينَ يُتوفَّونَ مِنْکُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعة أَشْهُرٍ وَ عَشْراً)(البقرة/234).
و بذلک يعلم أنّه يشترط في النسخ وقوع العمل بالمنسوخ فترة، ثمّ ورود الناسخ بعده و إلي هذا يشير کلام الأُصوليين حيث يقولون يشترط في النسخ حضور العمل.
إنّ النسخ في القوانين العرفية[67] يلازم البداء[68]، أي ظهور ما خفي لهم من المصالح و المفاسد، و هذا بخلاف النسخ في الأحکام الشرعية، فإنّ علمه سبحانه محيط لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فالله سبحانه يعلم مبدأ الحکم و غايته غير أنّ المصلحة اقتضت إظهار الحکم بلا غاية لکنّه في الواقع مغيّي.
فقد خرجنا بهذه النتيجة أنّ النسخ في الأحکام العرفية رفع للحکم واقعاً، و لکنه في الأحکام الإلهية دفع لها و بيان للأمد الذي کانت مغيّي به منذ تشريعها ولا مانع ما إظهار الحکم غير مغيّي، و هو في الواقع محدّد لمصلحة في نفس
الإظهار.