و إن أريد بها كون الفعل على وجه يترتب عليه الاثر ، فيكون الاصل مشخصا للموضوع من حيث ثبوت الصحة له ، لا مطلقا . ففي تقديمه على الاستصحاب الموضوعي نظر ، لانه إذا شك في بلوغ البائع ، فالشك في كون الواقع البيع الصحيح بمعنى كونه بحيث يترتب عليه الاثر شك في كون البيع صادرا من بالغ أو غيره . و هذا مرجعه إلى الشك في بلوغ البائع ، فالشك في كون البيع الصادر من شخص صادرا نم بالغ الذي هو مجرى أصالة الصحة و الشك في بلوغ الشخص الصادر منه العقد الذي هو مجرى الاستصحاب مرجعهما إلى أمر واحد ، و ليس الاول مسببا عن الثاني ، فإن الشك في المقيد باعتبار القيد شك في القيد . فمقتضى الاستصحاب ترتب أحكام العقد الصادر من بالغ ، و مقتضى هذا الاصل ترتب الحكم الصادر من بالغ . فكما أن هذا الاصل معين ظاهري للموضوع و طريق جعلي إليه ، فكذلك استصحاب عدم البلوغ طريق ظاهري للموضوع ، فإن أحكام العقد الصادر من البالغ لا تترتب (730) عند الشك في البلوغ إلا بوسطه ثبوت موضوعها بحكم الاستصحاب . نعم لو قيل بتقديم المثبت على الثاني عند تعارض الاصلين تعين ترجيع أصالة الحصة ، لكنه محل تأمل . و يمكن أن يقال هنا :
إن أصالة عدم البلوغ يوجب الفساد ، لا من حيث الحكم شرعا بصدور العقد من بالغ ، بل من حيث الحكم بعدم صدور عقد من بالغ . فإن بقاء الاثار السابقة للعوضين مستند إلى عدم السبب الشرعي ، لا إلى عدم السببية شرعا في ما وقع . نعم لما كان المفروض انحصار الواقع في ما حكم شرعا بعدم سببية تحقق البقاء ، فعدم سببية هذا العقد للاثر الذي هو مقتضى الاستصحاب لا يترتب عليه عدم الاثر . و إنما يترتب على عدم وقوع السبب المقارن لهذا العقد ، فلا أثر لاصالة عدم البلوغ المقتضية لعدم سببية العقد المذكور حتى تعارض أصالة الصحة المقتضية لسببيته ، و أصالة الصحة تثبت تحقق العقد الصادر عن بالغ . و لا معارضة في الظاهر بين عدم سببية هذا العقد الذي هو مقتضى الاستصحاب و بين وقوع العقد الصادر عن بالغ الذي يقتضيه أصالة الصحة ، لان وجود السبب ظاهرا لا يعارضه عدم سببية شيء و إن إمتنع اجتماعهما في الواقع من حيث أن الصادر شيء واحد . لكن يدفع هذا أن مقتضى أصالة ليس وقوع فعل صحيح في الواقع ، بل يقتضي كون الواقع هو الفرد الصحيح . فإذا فرض نفي السببية عن هذا الواقع بحكم الاستصحاب حصل التنافي . و إن قيل : إن الاستصحاب لا يقتضي نفي السببية ، لان السببية ليست من المجعولات ، بل يثبت بقاء الاثار السابقة . قلنا : كذلك أصالة الصحة لا تثبت وقوع السبب ، و إنما تثبت حدوث آثار السبب . و كيف كان فدفع التنافي بين الاصلين و إثبات حكومة أحدهما على الاخر في غاية الاشكال . ( 1 )