بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل علي النبي، ومن أدعي فيه غير ذلك
فهو مخترق كاذب، أو مغالط، أو مشتبه و كلهم علي غير هدي، فإنه كلام الله الذي «لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه» (2)لهم مدة و
أعوام و دعوة الرسالة و الإعذار و الإنذار دائمة عليهم، وهم في أشد الضجر منها و
الكراهية لها و الخوف من عاقبتها و التألم من آثارها و تقدمها و ظهورها، و في أشد
الرغبة في أهوائهم و عوائدهم و رياساتهم، والعكوف علي معبوداتهم، و مع ذلك لم
يستطيعوا معارضة شيء من القرآن الكريم، ولا الاتيان بسورة من مثله، لكي تظهر
حجتهم، و تسقط حجية الرسول و يستريحوا من عنائهم من الدعوة التي شتت جامعتهم
الأوثانية، و قاومت رياساتهم الوحشية و تشريعاتهم الأهوائية، و فرقت بين الأب و
بنيه، والأخ و أخيه، والزوج و زوجه، والقريب و قريبه و كدرت صفاء قبائلهم، و نافرت
بين عواطفهم، ولم يجدوا لذلك حيلة إلاّ الجحود الواهي، و العناد الشديد و الاضطهاد
القاسي، و الاستشفاع بأبي طالب و غيره تارة و المثابرة الوحشية اُخري، مع تقحم
الأهوال و قتال الأقارب مقاساة الشدائد، و
أهوال المغلوبية، فلماذا لم يتظاهروا بأجمعهم عشر سنوات أو أكثر و يأتوا بشيء من
مثل القرآن الكريم، و يفاخروه و يحاكموه في المواسم و المحافل التي أعدوها لمثل
ذلك، فتكون لهم الحجة و الغلبة في الحكومة، و قرار النصفة، و ينادوا بالغلبة و
يستريحوا من عناء هذه الدعوة، وهم هم، و مواد القرآن في مفرداته و تراكيبه من
لغتهم، و اُسلوبه من صناعتهم التي لهم التقدم والرقي فيها ولله الحجة البالغة
(1).
(2) يدل علي حفظ القرآن و بقائه من دون
تغير و تبديل اُمور: