هذا كله
بالنسبة إلي المعني الحقيقي فيهما، و لكن قد يطلق القضاء بمعني القدر، والقدر
بمعني القضاء أو كليهما، و بهذا المعني لا مانع من تقسيم القضاء إلي الحتم وغير
الحتم، و لعله من هذا الباب ما روي عن ابن نباتة قال: «إن أمير المؤمنين ـ عليه
السلام ـ عدل من عند حائط مائل إلي حائط آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين: تفر من
قضاء الله؟ قال: أفرمن قضاء الله إلي قدر الله عزّوجلّ»
(1).
الثاني:
في أنواع القضاء و القدر.
فاعلم أنهما يستعملان تارة و يراد منهما القضاء والقدر العلميان، بمعني أنه تعالي
الأشياء قبل خلقتها، وأنجز أمرها و قضاها، والقضاء و القدر بهذا المعني هو مساوق
لعلمه الذاتي، ومن المعلوم أن القضاء و القدر بالمعني المذكور من صفاته الذاتية،
فضرورة الوجود لكل موجود و تقديره، ينتهي إلي علمه الذاتي، و لعل إليه يؤول ما روي
عن علي ـ عليه السلام ـ في القدر حيث قال: «سابق في علم الله»
(2).
و اُخري
يستعملان و يراد منهما العلمي في مرحلة الفعل، لا في مرحلة الذات، بأن يطلق
التقدير و يراد منه لوح المحو والاثبات، و يطلق القضاء و يراد منه اللوح المحفوظ،
و من المعلوم أنها بأي معني كانا، فعلان من أفعاله تعالي.
واُخري
يستعملان و يراد منهما القضاء والقدر الفعليان، ومن المعلوم أنهما بهذا المعني
والمعني السابق من صفاته الفعلية؛ لأنهما منتزعان عن مقام الفعل؛ لأن كل فعل مقدر
بالمقادير، و مستند إلي علته التامة الموجبة له، ولعل قوله تعالي: «إذ قضي أمراً
فإنما يقول له كن فيكون» (3) يشير إلي الأخير.
قال العلاّمة
الطباطبائي ـ قدّس سرّه ـ: «لا ريب أن قانون العلية والمعلولية ثابت، و أن الموجود
الممكن معلول له سبحانه، إما بلا واسطة أو معها، و أن المعلول إذا نسب إلي علته
التامة كان له منها الضرورة والوجوب، إذ ما لم يجب