تحقق الأمر
المقدر، إذ لولا الاختيار لم يتحقق طاعة ولا معصية، فلم يتحقق ثواب ولاعقاب ولا
أمر ولا نهي، ولا بعث ولا تبليغ، و من هنا يظهر وجه تمسك الإمام ـ عليه السلام ـ
بسبق صفة الرحمه علي العمل، ثم بيانه ـ عليه السلام ـ أن لله مشية في كل شيء وأنها
لا تلغوا ولا تغلبه مشية العبد، فالفعل لا يخطيء مشيته تعالي، و لا يوجب ذلك بطلان
تأثيرمشية العبد، فإن مشية العبد إحدي مقدمات تحقق ما تعلقت به مشيته تعالي، فإن
شاء الفعل الذي يوجد بمشية العبد فلا بد لمشية العبد من التحقق و التأثير، فافهم
ذلك.
و هذه
الرواية الشريفة علي إرتفاع مكانتها و لطف مضمونها يتضح بها جميع ما ورد في الباب
من المختلف الروايات و كذا الآيات المختلفة من غير حاجة إلي أخذ بعض و تأويل بعض
آخر» (1).
و منها: ما
رواه في المحاسن عن حمران، عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال: كنت أنا و الطيار
جالسين فجاء أبو بصير فأفرجنا له، فجلس بيني و بين الطيار، فقال: في أي شيء أنتم؟
فقلنا: كنا في الارادة والمشية و المحبة. فقال أبو بصير: قلت لأبي عبدالله ـ عليه
السلام ـ: شاء لهم الكفر و أراده؟ فقال: نعم، قلت: فأحب ذلك و رضيه؟ فقال: لا،
قلت: شاء و أراد ما لم يحب ولم يرض؟ قال: هكذا خرج إلينا (اُخرج إلينا، في المصدر)
(2).
و تقريب
الرواية بأن يقال: إن ارادته تعالي أصالة تعلقت نحو إمكان التكامل الاختياري
للإنسان، و كل ما يلزم في هذا الطريق أعده تعالي من المعد الخارجي والداخلي، فلذا
أرسل رسله بالهدي لإرشادهم و جهز الناس بالعقل و الاختيار، فالله تعالي خلق الناس
علي نحو يمكن لهم أن يصلحوا و يتكاملوا، و أراده و رضي به، و لكن مقتضي جعل المشية
والاختيار في الناس لأن يتمكنوا