و أنت خبير
بأن المعروف من التفويض، هو ما نسب إلي أكثر المعتزلة، و هو المبحوث عنه في
المقام؛ لأنه ينافي التوحيد الأفعالي، و أما ما نسبه إلي بعض الزنادقة، فهو لا
يناسب المقام، بل ينافي لزوم التكليف و عدم جواز إهمال الناس، و قد مر في البحث
عن التكليف أنا نعتقد أنه تعالي لابد أن يكلف عباده و يسن لهم الشرايع و ما فيه
صلاحهم و خيرهم فراجع.
ثم ينقدح مما
ذكرنا في نفي الجبر و التفويض، و استناد الأفعال إليه تعالي بوساطة المباشرين، ما
في عبارة شيخنا الصدوق ـ رحمه الله ـ حيث قال علي المحكي: «أفعال العباد مخلوقة
خلق تقدير لا خلق تكوين، و معني ذلك أنه لم يزل عالماً بمقاديرها. انتهي» (1).
وذلك لأن
لازم كلامه أن الأفعال بحسب التكوين مفوضة إلي العباد، و ليس هذا إلاّ قول
المفوضة. هذا مضافاً إلي أورد عليه الشيخ المفيد ـ قدّس سرّهما ـ من أنه ليس يعرف
في لغة العرب أن العلم بالشيء هو خلق له، فخلق تقدير لا معني له (2).
ثم لا يخفي
عليك ما في يتراءي من التجريد و شرحه، حيث قال في التجريد: «و القضاء و التقدر إن
اُريد بهما خلق الفعل، لزم المحال»، و قال العلاّمة ـ قدّس سرّه ـ في شرحه: «فنقول
للأشعري: ما تعني بقولك أنه تعالي قضي أعمال العباد و قدرها؟ إن أردت به الخلق و
الايجاد فقد بينا بطلانه، و أن الافعال مستندة إلينا» (3).
لما عرفت من
أن انتهاء خلق الأفعال إليه تعالي بواسطة خلق القدرة و اختيار العباد لا مانع منه،
بل هو مقتضي التوحيد الأفعالي، و يمكن ارادتهما