کثير من أجزاء هذا العالم و النسب التي بينها و النظام الجاري فيها. و لعلّ ما هو مجهول منها أکثر ممّا هو معلوم.
وقد تبيّن في الأبحاث السابقة أنّ عالم المادّة بما بين أجزائه من الارتباط و الاتّصال واحد سيّال في ذاته متحرّک في جوهره و يشايعه في ذلک الأعراض و الغاية التي تنتهي إليها هذه الحرکة العامّة هي التجرّد علي ما تقدّمت الإشارة إليه في مرحلة القوّة و الفعل.
و إذ کان هذا العالم حرکة و متحرّکاً في جوهره سيلاناً وسيّالاً في وجوده و کانت هويّته عين التجدّد و التغيّر لا شيئاً يطرأ عليه التجدّد و التغيّر صحّ ارتباطه بالعلّة الثابتة التي تنزّه عن التجدّد و التغيّر.
فالجاعل الثابت الوجود جعل ما هو في ذاته متجدّد متغيّر لا أنّه جعل الشيء متجدّداً متغيّراً. و بذلک يرتفع إشکال استناد المتغيّر إلي الثابت و ارتباط الحادث بالقديم.
الفصل الثالث و العشرون: في حدوث العالم
قد تحقّق فيما تقدّم من مباحث القدم و الحدوث أنّ کلّ ماهيّةٍ ممکنةٍ موجودةٍ مسبوقة الوجود بعدم ذاتيٍّ فهي حادثة حدوثاً ذاتيّاً و العدم السابق علي وجودها بحدّه منتزع عن علّتها الموجدة لها فهي مسبوقة الوجود بوجود علّتها متأخّرة عنها.
و إذ کان المبدأ الأوّل لکلّ وجودٍ إمکانيّ سواء کان مادّياً أو مجرّداً عقليّاً أو غير عقليّ هو الواجب لذاته (تعالي) فکلّ ممکنٍ موجودٍ حادث ذاتاً بالنسبة