11. الاجتهاد علي السبق بالحضور إلي المجلس قبل حضور الشيخ
وللسلف الصالح في صبرهم مع مشايخهم أقاصيصُ غريبة، لو أتينا عليها لطال الخَطْبُ.
الحادي عَشَرَ: أنْ يَجْتَهِدَ على أنْ يَسْبِقَ بالحضور إلى المجلس قبلَ حضور الشَيخ، ويَحْمِلَ على ذلك نفسَه، وإن انْتَظَرَه على باب داره ليَخْرُجَ ويمشِيَ معه إلى المجلس، فهو أولى مع تَيَسُّرِه.
ويحترزَ عن أنْ يتأَخَّرَ في الحضور عن حضور الشَيخ، فَيَدَعَ الشيخَ في انتظاره; فإنّ فاعلَ ذلك من غير ضرورة أكيدة مُعَرِّضٌ نفسَه للمقْتِ والذَمِّ. حَكى ياقُوت عَنْ هارون بن موسى القيسي القُرْطُبي قال:
لاِتَقَرَّبَ منه، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إلَى الدَرْبِ الَّذي كُنْتُ أخْرُجُ مِنْهُ إلى مَنْزِلِهِ ألْفَيْتُهُ مُغْلَقاً وتَعَسَّرَ عَلَيَّ فَتْحُه، فَقُلْتُ: سُبْحانَ الله أُبَكِّرُ هذا البُكُورَ، وأُغْلَبُ على القُرْبِ مِنْهُ، فَنَظَرْتُ إلى سَرْب(3) بِجَنْبِ الدَرْبِ فَاقْتَحَمْتُهُ، فَلَمَّا تَوَسَّطْتُ ضاقَ بي، وَلَمْ أقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ، وَلا عَلَى الدُخُولِ فَاقْتَحَمْتُهُ أشَدَّ اقْتِحام، حتّى تَخَلَّصْتُ ـ بَعْدَ أنْ تَخَرَّقَتْ ثِيابي وأثَّرَ السَّرْبُ في لَحْمي حتّى انْكَشَفَ العَظْمُ ـ ومَنَّ الله بِالْخُرُوجِ، فَوافَيْتُ مَـجْـلِسَ الشَيْخِ على تلك الحال.
ثمّ قال(4): «فأين أنت ممّا عَرَضَ لي؟» ثمّ أنشد بيتَ الحماسة:
ذَبَبْتَ لِلْمَجْدِ وَالسَاعُونَ قَدْ بَلَغُوا جَهْدَ النُّفُوسِ وَأَلْقَوْا دُونَهُ الأُزُرا وَكابَدُوا الَْمجْدَ حَتّى مَلَّ أكْثَرُهُمْ وَفازَ بِالَْمجْدِ مَنْ وافى وَمَنْ صَبَرا