4. حسن الخُلق و التواضع و تمام الرفق و بذل الوسع
رِجاني لِعَظِيمَة فَقَطَعْتُ رَجاءَهُ مِنَّي؟ جَعَلْتُ آمالَ عِبادي عِنْدي محفوظةً، فلَمْ يَرْضَوْا بِحِفْظي وَمَلاَْتُ سَماواتي مِمَّنْ لا يَمَلُّ من تَسْبِيحي، وَأمَرْتُهُمْ أنْ لا يُغْلِقُوا الأبْوابَ بَيْني وبينَ عِبادي، فَلَمْ يَثِقُوا بقولي، ألَمْ يَعْلَمْ مَنْ طَرَقَتْهُ نائِبَةٌ مِنْ نَوائِبي أنَّه لا يَمْلِكُ كَشْفَها أحدٌ غَيْري، إلاّ مِنْ بَعْدِ إذْني، فَمالي أراهُ لاهِياً عنِّي؟ أعْطَيْتُه بِجُودي ما لم يَسْأَلْني، ثُمَّ انْتَزَعْتُه عنْه، فلَمْ يَسْأَلْني رَدَّهُ، وَسَأَلَ غَيْري، أفَيَراني أبدأُ بالْعَطاءِ قبل المسْأَلَةِ، ثمَّ أُسْأَلُ فَلا أُجِيبُ سائِلي؟ أبَخِيلٌ أنا فَيُبَخِّلُني عَبْدي؟ أوَلَيْسَ الْجُودُ والْكَرَمُ لي؟ أوَلَيْسَ الْعَفْوُ وَالرَّحْمَةُ بِيَدي؟ أوَلَيْسَ أنَا مَحَلّ الاْمالِ؟ فَمَنْ يَقْطَعُها دُوني؟ أفلا يَخْشَى المؤَمِّلُونَ أنْ يُؤَمِّلُوا غَيْري؟ فَلَوْ أنّ أهْلَ سَماواتي وَأهْلَ أرْضي أمَّلُوا جَمِيعاً، ثُمَّ أعْطَيْتُ كُلَّ واحد مِنْهُمْ مِثْلَ ما أَمَّلَ الْجَمِيع مَا انْتَقَصَ مِنْ مُلْكي مِثْلُ عُضْو ذَرَّة، وكَيْفَ يَنْقُصُ مُلْكٌ أنا قَيِّمُهُ؟ فَيابُؤْساً لِلْقانِطِينَ مِنْ رَحْمَتي، ويَابُؤْساً لِمَنْ عَصاني وَلَمْ يُراقِبْني(1).
أقول: ناهِيكَ بهذا الكلامِ الجليلِ الساطعِ نورُه من مطالع النُبُوَّةِ على أُفق الإمامةِ من الجانب القدسيِّ حاثّاً على التَّوَكُّلِ على الله تعالى، وتفويض الأمرِ إليه والاعتماد في جميع المهمّات عليه، فما عليه مزيدٌ من جوامع الكلام في هذا المقام.
الرابع: حسنُ الخلق ـ زيادةً على غيرهما(2) من الناس ـ والتواضعُ وتمامُ الرِفْقِ وبذلُ الوُسْع في تكميل النفس.
روى مُعاوِيَةُ بن وَهب قال: سَمِعْتُ أبا عبد الله(عليه السلام) يقول:
اُطْلُبوا العِلْمَ وَتَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالْحِلْمِ والْوَقارِ، وتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلَّمُونَه الْعِلْمَ، وَتَواضَعُوا لِمَنْ طَلَبْتُمْ مِنْهُ الْعِلْمَ، وَلا تكُونُوا عُلَماءَ جَبّارِينَ، فَيَذْهَبَ باطِلُكُمْ بِحَقِّكُمْ(3).
وروى الحَلَبي في الصحيح(4) عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال:
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): ألا أُخْبِرُكُمْ بالفقيهِ حَقِّ الْفَقِيهِ؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ