الذي يميل إليه المشّاؤون فيما صوّروه من العقول العشرة ونسبوا إلي آخرها المسمّي عندهم بـ «العقل الفعّال» إيجاد عالم الطبيعة.
و الثاني: وهو حصول الکثرة عرضاً بأن تنتهي العقول الطوليّة إلي عقول عرضيّة لا عليّة و لا معلوليّة بينها هي بحذاء الأنواع المادّيّة يدبر کلّ منها ما بحذائه من النوع المادّيّ و بها توجد الأنواع التي في عالم الطبيعة و ينتظم نظامه و تسمّي هذه العقول: «أرباب الأنواع» و «المثل الأفلاطونيّة». و هذا الوجه هو الذي يميل إليه الإشراقيّون و ذهب إليه شيخ الإشراق و اختاره صدر المتألّهين قدس سرّه.
و استدلّ عليه بوجوه:
أحدها: أنّ القوي النباتيّة من الغاذية و النامية و المولّدة أعراض حالّة في جسم موضوعها متغيّرة بتغيّره متحلّلة بتحلّله فاقدة للعلم و الإدراک فمن المحال أن تکون هي المبادئ الموجدة لهذه التراکيب العجيبة التي لموضوعاتها و الأفعال المختلفة و الأشکال و التخاطيط الحسنة الجميلة التي فيها مع ما فيها من النظام الدقيق المتقن المحيّر للعقول فليس إلاّ أنّ هناک جوهراً عقليّاً مجرّداً يعتني بها و يدبّر أمرها و يهديها إلي غاياتها في الوجود.
و فيه: أنّ هذا الدليل لو تمّ دلّ علي أنّ هذه الأعمال العجيبة و النظام الجاري فيها تنتهي إلي جوهر عقليّ ذي علم و أمّا قيامه بجوهر عقليّ مباشر لا واسطة بينه و بين الجسم النباتيّ فلا فمن الجائز أن ينسب ما نسبوه إلي هذا الجوهر العقليّ إلي الصورة الجوهريّة التي بها تتحقّق نوعيّة النوع و فوقها العقل الفعّال الذي هو آخر سلسلة العقول الطوليّة.
الثاني: أنّ الأنواع الطبيعيّة الماديّة بما لها من النظام الجاري فيها دائماً ليست موجودة عن اتّفاق فالأمر الاتفاقيّ لا يکون دائميّاً ولا أکثريّاً فلهذه الأنواع علل حقيقيّة و ليست هي التي يزعمونها من الأمزجة و نحوها إذ لا دليل يدلّ علي ذلک بل العلّة الحقيقيّة التي يستند إليها کلّ منها جوهر عقليّ مجرّد و مثال کلّيّ يعتني به ويوجده و يدبّر أمره و المراد بکلّيّته استواء نسبته إلي جميع