أفلاطون في العلم و هو رحمه الله لا يرتضيه و لو کانت حصوليّة إنطبقت علي قول المشّائين و هو رحمه الله لا يرتضيه أيضاً.
ووجه الضعف في القولين أنّ صدق القضاء بمفهومه علي إحدي المرتبتين من العلم أعني العلم الذاتيّ و العلم الفعليّ لا ينفي صدقه علي الاخري فالحق أنّ القضاء قضاءان: ذاتيّ و فعليّ کما تقدّم بيانه .
و أمّا القدر: فهو ما يلحق الشيء من کميّة أو حدّ في صفاته و آثاره. و التقدير تعيين ما يلحقه من الصفات و الآثار تعييناً علميّاً يتبعه العمل علي حسب ما تسعه الأسباب و الأدوات الموجودة کما أنّ الخيّاط يقدّر ما يخيطه من اللباس علي الثوب الذي بين يديه ثمّ يخيط علي ما قدّر و البنّاء يقدّر ما يريده من البناء علي القاعة من الأرض علي حسب ما تسعه و تعيّن عليه الأسباب و الأدوات الموجودة عنده ثمّ يبني البناء علي طبق ما قدّر لأسباب متجدّدة توجب عليه ذلک فالتقدير بالنسبة إلي الشيء المقدّر کالقالب الذي يقلب به الشيء فيحدّ به الشيء بحدّ أو حدود لا يتعدّاها.
و إذا اخذ هذا المعني بالتحليل حقيقيّاً إنطبق علي الحدود التي تلحق الموجودات الماديّة من ناحية عللها الناقصة بما لها من الصور العلمّيّة في النشأة التي فوقها فإنّ لکلّ واحدة من العلل الناقصة بما فيها من الحيثيّات المختلفة أثراً في المعلول يخصّص إطلاقه في صفته و أثره. فإذا تمّ التخصيص بتمام العلّة التامّة حصل له التعيّن و التشخّص بالوجود الذي تقتضيه العلّة التامّة. فللإنسان مثلاً خاصّة الرؤية لکن لا بکلّ وجوده بل من طريق بدنه و لا ببدنه کلّه بل بعضوٍ منه مستقرٍّ في وجهه فلا يري إلاّ ما يواجهه ولا کلّ ما يواجهه بل الجسم ولا کلّ جسم بل الکثيف من الأجسام ذا اللون ولا نفس الجسم بل سطحه ولا کلّ سطوحه بل السطح المحاذي ولا في کلّ وضع ولا في کلّ حال ولا في کلّ مکان ولا في کلّ زمان فلئن أحصيت الشرائط الحافّة حول رؤية واحدة شخصيّة ألفيت
