و إذا اخذ هذا المعني حقيقيّاً و لتحليل غير إعتباريّ إنطبق علي الوجوب الذي يتلبّس به الموجودات الممکنة من حيث نسبتها إلي عللها التامّة فإنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد و هذا الوجوب الغيريّ من حيث نسبته إلي العلّة التامّة إيجاب ولا شيء في سلسلة الوجود الإمکانيّ إلاّ و هو واجب موجب بالغير و العلل تنتهي إلي الواجب بالذات فهو العلّة الموجبة لها و لمعلولاتها.
و إذ کانت الموجودات الممکنة بما لها من النظام الأحسن في مرتبة وجوداتها العينيّة علماً فعليّاً للواجب (تعالي) فما فيها من الإيجاب قضاء منه (تعالي). و فوقه العلم الذاتيّ منه المنکشف له به کلّ شيء علي ما هو عليه في الأعيان علي التفصيل بنحو أعلي و أشرف.
فالقضاء قضاءان: قضاء ذاتيّ خارج من العالم و قضاء فعليّ داخل فيه. و من هنا يظهر ضعف ما نسب إلي المشهور أنّ القضاء هو ما عند المفارقات العقليّة من العلم بالموجودات الممکنة بما لها من النظام.
و کذا ما ذهب إليه صدر المتألّهين رحمه الله أنّ القضاء هو العلم الذاتيّ المتعلّق بتفاصيل الخلقة قال في الأسفار: «و أمّا القضاء فهو عندهم عبارة عن وجود الصور العقليّة لجميع الموجودات فائضة عنه (تعالي) علي سبيل الإبداع دفعة بلا زمان لکونها عندهم من جملة العالم و من أفعال الله المباينة ذواتها لذاته و عندنا صور علميّة لازمة لذاته بلا جعل و لا تأثير و تأثّر و ليست من أجزاء العالم إذ ليست لها حيثيّة عدميّة ولا إمکانات واقعيّة. فالقضاء الربانيّ و هو صورة علم الله قديم بالذات باقٍ ببقاء الله» - إنتهي .
و ينبغي أن يحمل قوله: «صور علميّة لازمة لذاته» علي العلم الذاتيّ الذي لا ينفک عن الذات و إلاّ فلو کانت لازمة خارجة کانت من العالم ولم تکن قديمة بالذات کما صرّح بذلک علي أنّها لو کانت حضوريّة إنطبقت علي قول
