تنبيه السوفسطيّ و هو المنکر لوجود العلم مطلقاً لايسلّم قضيّة أولي الأوائل إذ لو سلّمها کان ذلک اعترافاً منه بأنّ کلّ قضيّتين متناقضتين فان إحداهما حقّة صادقة و فيه اعتراف بوجود علم مّا.
ثمّ إنّ السوفسطيّ بما يظهر من الشکّ في کلّ عقد إمّا أن يعترف بأنّه يعلم أنّه شاکّ و إمّا أن لا يعترف. فان اعترف بعلمه بشکّه فقد اعترف بعلم مّا فضاف إليه تسليمه لقضيّة أولي الأوائل و يتبعه العلم بأنّ کلّ قضيتيّن متناقضتين فان إحداهما حقة صادقة و تعقب ذلک علوم اخري. و إن لم يعترف بعلمه بشکّة بل أظهر أنّه شاکّ في کلّ شيء و شاکّ في شکّه ليس يجزم بشيء لغت محاجّته ولم ينجح فيه برهان.
و هذا الانسان إمّا مصاب بآفة اختلّ بها إدراکه فليراجع الصبيب و إمّا معاند للحقّ يظهر ما يظهر ليدحض به الحقّ فيتخلصّ من لوازمه فليضرب و ليعذّب و ليمنع ممّا يحبّه و ليجبر علي ما يبغضه إذ کلّ شيء و نقيضه عنده سواء .
نعم بعض هؤلاء المظهرين للشکّ ممّن راجع العلوم القليّة و هو غير مسلّح بالاصول المنطقيّة ولامتدرّب في صناعة البرهان فشاهد اختلاف الباحثين في المسائل بالاثبات و النفي و رأي الحجج التي أقاموها علي طرفي النقيض و لم يقدر لقلّة بضاعته علي تمييز الحق من الباطل فتسلّم طريق النقيض في المسألة ببعد المسألة فأساء الظنّ بالمنطق و زعم أن لا طريق إلي اصابة الواقع يؤمن معه الخطاً في الفکر ولا سبيل إلي العلم بشيء علي ماهو عليه.
وهذا کما تري قضاء بتّيّ منه بامور کثيرة کتباين أفکار الباحثين و حججهم من غير أن يترجع بعضها علي بعض و استلزام ذلک قصور الحجّة مطلقا عن إصابة الواقع فعسي أن يرجع بالتنبيه عن مزعمته فليعالج بايضاح القوانين المنطقيّة و إرائة قضايا بديهيّة لاتقبل
