العلوم
العاديّة، كما ذهب إليه الجمهور من علماء العامّة، بل لهم ما للرسول ـ صلّي الله
عليه و آله ـ من العلوم الإلهية بأنواعها، كما يقتضيه قيامهم مقام النبي في الإتيان
بوظائفه؛ لأن ذلك لا يتحقق من دون العلم الإلهي كما لايخفي.
الخامس:
في الميز بين علومهم و
العلوم البشريّة، ولا يخفي عليك أنّ العلوم البشرية منقسمة إلي: البديهيات و
النظريات. و الإنسان من لدن وجوده أراد كشف المجهولات بالتفكير و ترتيب المقدمات،
وفي هذا السبيل كثيراً ما كان يخطأ، و لذا وضع علم الميزان ليمنعه عن ذلك، و معه
لا يعصمه، و إن أفاده لخطائه في تطبيق علم الميزان علي محاوراته، و عليه فالعلوم
النظريّة مكتسبة من البديهيات بترتيب المقدمات، و ترتيب المقدمات يحتاج إلي
التعلّم و التعليمات، و حيث أنّ آحاد الإنسان في التفكير و ترتيب المقدمات ليسوا
بمتساوين يؤدي التفكير في جملة من المسائل إلي الاختلاف في النتائج في كشف
الحقايق، ولم يتمكنوا من الاتفاق فيها، إذ ربّما يكون الترتيب بنظر واحد تماماً و
بنظر آخر ناقصاً، و لذا تكون النتيجة عند واحد واضحة، و عند آخر غير واضحة، بحيث
يمكن عنده تجديد النظر، و يحتمل خلافه كما ليسوا عند إظهار النظر علي السواء، إذ
ربّما أظهر واحد نظره في مجهول بأنّ الأمر كذا أو قطعاً، و أظهر ثان بأنّ الأمر
كذا و كذا من دون التأكيد بالقطع، و أظهر آخر بأنّ الظاهر أنّه كذا، و رابع بأنّه
محتمل، و خامس بأنّه مشكل، فيما إذا لا يؤدي نظره إلي شيء، و عليه فيكون باب
التأمل و الاشكال و تجديد النظر في كثير من المعلومات منفتحا.
هذا مضافاً
إلي مجهولات كثيرة يكون كشفها خارجاً عن حيطة قدرة علم الإنسان، و لذا اعترف
الأعاظم من العلماء بالقصور عن حلّ جميع المجهولات، و إن ظفروا بالاُصول و الضوابط
المتعددة الصحيحة من المقدمات البديهية كما لايخفي، و كيف كان فهذه هي العلوم
الاكتسابية الّتي لا يمكن لأحد أن يرثها من أبيه أو آخر من دون تحمّل المشاق في
تحصيلها.